نظرةٌ فاحصة على علاقة السِّياسة بالذَّكاء العاطفيِّ، علاقةٌ تُداعبُ وترَ العاطفةِ وتغيِّرُ مساراته!
السَّياسةُ مُصطلحٌ يحوي عوالمًا تأسرُ قلبَ المُتأمُّل لجُزيئاتِ الجَمالِ الكامنةِ بين أحرُفها وتفاصيلها. السِّياسةُ في جوهرها تفرُّدٌ يُنسَجُ بأناملِ الذَّكاءِ العاطفيِّ. علاقةُ الذَّكاء العاطفي بالسَّياسةِ تتعدَّد جوانبها، فذلكَ جانبٌ يتعلَّقُ بالتَّواصل وفاعليَّتهِ، وآخرٌ يتعلَّقُ بجانبِ تكوينِ العلاقات، والمحافظةِ عليها بأساليبٍ ونهجٍ رصين، وجانبٍ آخر يتعلَّقُ بقوَّةِ البِناء عندما يتعلَّقُ الأمرُ ببناءِ العِلاقات وبناءِ قاعدةٍ للتَّواصل يتَّكئُ عليها السِّياسيُّ عندما يتولَّدُ حوارٌ بينه وبين طرفٍ آخر، والعديد من الجوانبِ الأخرى.
للسياسةِ ارتباطٌ مُباشرٌ بالتَّواصلِ وفعاليَّتهِ، وعلاقةُ الأخير بالذَّكاءِ العاطفيِّ أمرٌ لا مَفرَّ منه. فعندما نتحدَّثُ عن الاتِّصالِ الفَّعالْ، لابدَّ لنا أن نلمحَ خيطًا طويلًا مُمتدًّا يبدأ من “السِّياسة”، وينتهي بهِ المَطافُ عند “الاتِّصالِ الفَعَّال”. الخَيطُ الذي يربطهما تتخلَّلهُ عدَّةُ مشابكْ؛ أوَّلُهم الاستماعُ؛ الذي يرتدي رداءَ المحبَّة ذاتَ التَّفاصيلِ الثَّابتةِ التي لا تتلوَّن لا بشدٍّ ولا جذب. وثاني تلكَ المشابكِ؛ التَّعبير، ولكنُّهُ بناءٌ، يبدأ بطُوبِ الكلماتِ التي تُوازنُ بينَ الكلمةِ ونقيضها، وينتهي بطوبِ اللِّسانِ، ومعرفةٍ للوترِ الذي لابدَّ أن تتكئَ عليهِ نوتةِ كلَّ حرفٍ من أحرفِ التَّعبير. أمَّا آخر مشبكٍ من مشابكِ ذلكَ الخيطْ؛ إدارةُ الحِوار، وفَحواهُ أن يعلمَ متى يضعُ الضمَّة، والسكون، والفتحة، والكسرة أعلى كلَّ تفصيلةٍ من تفاصيلِ أحرفِ كلمةِ “حِوار”.
جانبٌ آخر يكون نِتاجَ اتِّحادٍ بين السِّياسةِ والذَّكاءِ العاطفيِّ، هو بناءُ العلاقات والحِفاظِ عليها. وبما أنَّ السِّياسةَ هيَ مَجالٌ اجتماعي وشخصي، فإنَّ العِلاقات هيَ جُزءٌ لا ينفصلُ عنها، ويمكنُ تعريفها بأنَّها؛ بناءٌ يُشيَّدُ لَبِنَةً فلَبِنَة، تتعدَّد مُكوِّناتها وأهدافُها، نهتمُّ فيها بعُمقِ أحاسيسِ الطَّرفِ الآخرِ وما يُفضِّل؛ لتَحقيقِ ما تمثِّلهُ ٣ كلماتٍ؛ الاتِّصالُ، والخَلْقُ، والتَّنميَة، وبمعنى آخر؛ الاتِّصالِ المِثاليِّ، وخلْقُ الثِّقةِ، وتنميَتها.
لا تنفصلُ الإدارةُ عن السِّياسة، وعندما أتحدَّث عن الإدارة، فأنا أبروِزها ببروازِ الشُّموليَّة، بجوانبها المُختلفة، إدارةُ الوقت، وإدارةُ الحوار، وقِس على ذلك. وكلُّ جانبٍ من جوانبِ الإدارة يكونُ مُتصَّلًا بالسِّياسةِ بطريقةٍ أو بأُخرى، وبلا شك؛ كلَّ تلكَ الجوانب مُتَّصلة بالذَّكاء العاطفي. كلمةُ “إدارة” عندما نُلوِّنها بألوانِ السِّياسة؛ تظهرُ أمامنا لوحةٌ بها العديدُ من المُكوِّناتِ اللي تجذِبُ الأعينَ لها، منها القدرةُ على إدارةِ المَهامِ المُتعدِّدة، والانفتاحُ على الآراءِ الأخرى، والتَّكيُّف مع كلِّ موقفٍ جديد وإدارةُ هذا التَّكيفَ بما يحقِّقُ الأهداف المَرصودة، وتحديد الأولويَّات من كلِّ جُزئيَّةٍ تُصادَفُ وكأنَّها أهمَّ جُزئيَّة، والعَديدِ من التَّفاصيلِ الأخرى.
السَّياسةُ والذَّكاءُ العاطفيِّ في غالبِ الأمرِ يُنظرُ إليهما على أنَّهما كيانانِ مُنفصلانِ عن بعضهما البعض؛ ولكن في المَسافةِ الفاصلةِ بينهما جمالٌ فريدٌ يجمعهما معًا. جمالٌ لا يستطيعُ أيَّ مُتأمِّل لكلِّ تلكَ التَّفاصيلِ تجاهله. الذَّكاءُ العاطفي رداءٌ ترتديهِ السِّياسة، وفي كلُّ موسم من المواسم، وفي كلَّ فصلٍ من الفًصولِ له لونٌ محدَّد ومِقياس مُعيَّن، ذا هدفٍ وغايةٍ تدقُّ ناقوسَ الخطرِ إن نزلت في ميدانِ العمل الجاد والدَّقيق وفي المكان الصَّحيح. الذكاء العاطفي عند السِّياسيِّين يحرقُ المراحل الطَّويلة ويتحكَّم بأجزاءِ الثّواني إن أُتقِنَ استخدامه.