You are currently viewing من هو المُتلاعب الذَّكي في ملعبِ الحوار؟

من هو المُتلاعب الذَّكي في ملعبِ الحوار؟

في محادثةٍ جمعتني بصديق، سألني ذاتَ مرَّة سؤالًا قد أصبحَ بالنِّسبةِ لي نقطةً فارقةً جعلتني أُبصرُ ما بجعبتي من قدراتٍ في اقتناصِ المهارات بشباكِ تحويل ما أَلحظهُ لدرسٍ أعودُ بهِ لكلِّ النَّظريَّات والمعلومات التي قرأتها من قبل؛ لأفنِّدَ وأحلل، وأن يكون بعد ذلك متبوعًا بتطبيقٍ عمليٍّ لما قد تعلَّمتهُ في السَّابق. حيث أصبحَ هذا السُّؤال منارةً لي، أعودُ إليها لأتفقَّد أين كنت، وأين أصبحت في تمكُّني من قراءة الطَّرف الآخر قراءةً تحليليَّة مُفصَّلة، وأبني على ذلك التحليل ردة الفعل التي ستظهر مني في تلك الأجزاء من الثَّانية!

السُّؤال (سأعيد صياغته ليكون واضحًا):

كيف ترى ما لا نراهُ نحن في ذواتنا؟ ينتابني الفُضول عن الطريقة التي تفكِّرُ بها، وترى بها الحياة!

وأجبته بكلِّ بساطة بأنَّني دائمًا وبالتَّحديد في ساحةِ الحوار وفي سياقِ محادثتي مع أيِّ طرف، أعي بأنَّ كلَّ فرد يسعى بأن ينتصر لنفسه بطريقة أو بأخرى في أيِّ حوار كان، ينتصر لقناعاته، لأفكاره، لتوجُّهاته وإلى آخر أشكال الانتصار تلك. كلُّ فردٍ منَّا في لحظةِ الحوار يصبحُ واقفًا على خطِّ التماس في ملعبِ الحوار كمُدرِّبٍ لفريقه، وهنا ستبرزُ خبرة كلَّ مدرِّب عن الآخر بقدرته على التعامل مع كلِّ لحظة من لحظاتِ تلك المباراة “الحوار”، وفهم أي حركة أو حرف أو أي شيء مهما كان بسيطًا ينبلجُ من الطَّرف الآخر!

على سبيل المثال، حينما نتحدَّث عن المدرب الأوَّل حين يكيِّف خطته لتكون دفاعية في الحوار، وهذا ما يجعلُ فرصته في تسجيل الأهداف وتحقيق النتائج ضعيفة. فهو يعتمد على حماية نفسه من الهجمات والانتقادات، مستندًا إلى جدار دفاعيٍّ من الحجج التي تُبنى لتصدَّ أيَّ هجوم. هذا النَّهج قد يحميه من الخسارة في تلك اللَّحظة، ولكنه في الوقت نفسه يمنعه من التَّقدُّم وتحقيق الانتصار في النِّقاش (الانتصار لا يعني الفوز دائمًا، وإنما يعني الوُصول لنتيجة مرضية للطرفين).

في الطَّرف الآخر من ملعب الحوار، سيكون المدرب يلعب بنمطٍ هجوميٍّ بحت، وهو ما سيجعله يستقبل الأهداف (حينما نتحدث عن ملعب الحوار “وليس ملعب كرة القدم”، فسأكون معارضًا للمقولة التي تقول بأنَّ أفضل وسيلة للدِّفاع هي الهجوم). في حين أنَّ هذا المدرب يُلقي بكل قواه إلى الأمام، مُحاولًا أن يفرض سيطرته على الحوار من خلال مهاجمة الأفكار الأخرى بشراسة، ولكنه في تلك اللحظة، وفي الوقت ذاته، يصبح دفاعهُ مكشوفًا تمامًا لهجمات الطرف الآخر، ما يجعله عرضةً للخسارة إذا لم يُدرك كيفية الدفاع عن نقاطه.

والأصح من بين هذا وذاك هو أن نتبنَّى نهجًا متوازنًا يتكيَّف مع كلِّ حركة من الطرف الآخر؛ لأن المدرب الذكي وأسمِّيه أنا بـ “المُتلاعب الذكي (المعنى الإيجابي)”، في ملعبِ الحوار، يتحرَّك بخفَّة ومرونة ودهاء، ويُدرك متى يُهاجم ومتى يُدافع بطريقة تُشعر الطرف الآخر بالرِّضا والأمان. إضافةً لكلِّ ذلك، هذا المدرب لا يتسرَّع في إطلاق الأحكام على الطَّرف الآخر، بل يستمع بطريقة تشعر الطرف الآخر بأهميَّته وأهميَّة الحوار معه، وهذا المتلاعب يُحلِّل ويُفكِّر ما قد رآه أو سمعه قبل أن يردَّ أيَّ رد، وقبل حتى أن تخرج منه أيُّ ردَّة فعل. لذلك، يتَّخذ من الاستراتيجيَّة الشَّاملة نهجًا له، حيث يُقيِّم موقفه باستمرار ويُعدِّلُ خطته بناءً على ما يستجد من معلومات وردود فعل في مباراة الحِوار تلك.

وكلُّ جزء من هذه العمليَّة، يجب أن لا تتعدَّى كونها أجزاء من ثانية من ثواني اللَّعب. في عالم الحوار هذا الذي وبكلِّ بساطة يعتمد على السُّرعة والجودة لتحقيق المقاصد والأهداف، يجب عليك أن تكون ردودك سريعة ومدروسة في نفس الوقت. وبالإضافة لكلِّ ذلك، عليك أن تُجيد فنَّ المُناورة بالكَلمات، وتحويل كلِّ موقف لصالحك دون أن تُثير العداء أو التوتر أو أيِّ شعور سلبي لدى الطَّرف الآخر (ليكن الهدف كسب الطَّرف الآخر بأيِّ وسيلةٍ كانت). هذا التَّوازن بين الدِّفاع والهُجوم، بين الاستماع والرَّد، هو ما يجعل من الحوار عمليَّة ديناميكيَّة ومُثمرة توصلنا للأهداف المَرسومة. فكلُّ حوار هو مباراة جديدة، وكل مباراة تتطلب استراتيجيَّات مختلفة، ولكن الأساس يبقى واحدًا: التوازن والمرونة في التعامل مع كل موقف.

وهنا يتبادر إلى أذهاننا سؤال واحد؛ كيف يمكنني أن أكون مثل هذا المُدرِّب المُحنَّك “المتلاعب الذكي” الذي يستطيعُ غرسَ أسس التحليل في لاعبي فريقه أثناء الحوار؟ ليقرأ كلُّ لاعب أثناء المباراة دور كلَّ لاعب في الفريق الآخر (الشَّخص الذي أحاوره)، ويبني ردة الفعل على هذا التحليل الذي يتَّسم بالجودة!

لنصلَ جميعًا إلى ما وصلَ إليه هذا المُدرِّب المُحنَّك وكما أسمِّيه بـ “المُتلاعب الذَّكي”، لابد أن نعي سماته وأهمية معرفة الجوانب التي تعلمها ليصلَ لهذه الدَّرجة من الدَّهاء:

سمات المُدرِّب المُحنَّك في ملعب الحوار أو بمعنى آخر “المتلاعب الذَّكي”:

١- الهدوء + بناء الثِّقة تدريجيًّا = ثقة قويَّة لدى الطَّرف الآخر (بدون تسرُّع في البناء)

٢- فهم الشَّخصية بسرعة + تظاهر بالغباء = عدم رفع التوقُّعات (التَّلاعب بالتَّوقُّعات لدى الطَّرف الآخر)

٣- هدف محدَّد + أهداف وهميَّة متعدِّدة = تشتيت الانتباه

٤- يفهم الحالة العاطفية الآنيَّة = دعم عاطفي موجَّه لخدمة مقاصده وأهدافه

٥- توجيه السُّلوك ببطء + أفعال مقصودة = تحقيق أهدافه المرسومة

٦- عدم التَّسبُّب بالأذى + الحِرص على سلامة الطرف الآخر = ولكن ستتغير شخصيَّة الطرف الآخر بناءً على الأهداف المرسومة وما يناسبها

٧- رسم الحدود الشَّخصية مع الطرف الآخر + التلاعب بالكلام = إعادة صياغة المواقف بدون استفادة ظاهرة

٨- إخفاء كونه متلاعب + استعداد للتَّضحية = عدم انكشاف هذا التلاعب الذي يقوم به

المهارات التي تُعتبر هي الأسس لتكون مُدرِّبًا مُحنَّك:

  • معرفة الذات بعمق
  • مهارات التواصل الفعَّال
  • تنمية الذَّكاء العاطفي والاجتماعي
  • مهارات إدارة النِّزاعات
  • آليَّة تحقيق التَّوازن بين جوانب الحياة المُختلفة
  • كيفية رسم الحُدود الشَّخصيَّة
  • مهارات اليَقظة الذِّهنيَّة (الوعي بالحاضر)
  • فنُّ التخلي والسَّماح بالرَّحيل

باكتسابك لكل هذه المهارات، سواء كان ذلك من خلال الكتب، والدورات، والبودكاستات، فإن رؤيتك للحياة ستتغير تمامًا، بغض النظر عن الوقت والدروس والتجارب التي تتطلبها. لأنَّ هذه المهارات، (حتى وإن كانت بشكل غير مباشر)، تسهم بطريقة أو بأخرى في تشكيل يومك وطريقة تعاطيك مع ما يحدث حولك والتعامل مع التحديات والحوارات والتفاصيل التي تواجهها بالتَّعامل الأمثل.