في فَضاءِ إدارة المؤسَّسات والمُنظَّمات، تسطعُ هُناكَ نُجومٌ عديدة, ترتبط فيما بينها برابطةِ الحنكة والحكمة، ومن بين تلك النُّجوم، يبزغُ نجمُ التَّخطيط. تعتبر عملية التخطيط واحدة من أهمِّ الأنشطة الإداريَّة التي تلعبُ دورًا يُنعشُ الرَّغبة الثَّائرة في تحقيق الأهداف، وضمان ديمومةِ عُنفوانِ النجاح الذي يقتحمُ كلَّ غاية ليصنعَ منها وُصولًا مُحقَّقًا. بطبيعةِ الحال، يأتي التَّخطيط كمرحلة أولى وتُجسِّد عُمقًا يكون كالمِحور، يطوفُ عليهِ مُصطلحُ الإدارة، وتتيح للمُنظَّمات والمؤسَّسات تحديد التُّوجُّهات المستقبلية والتي ستنثرُ بها عبقَ شذى سعي، وتنسيقٍ كاملٍ للجُهود وتوجيهِ أسهمِ السَّعي؛ لتحقيق تلك الأهداف. إنَّها عمليَّة يجب أن تتبنَّاها جميع المُنظَّمات والمؤسَّسات الكبيرة والصَّغيرة على حدٍّ سواء؛ لضمانِ النَّجاح وديمومةِ النُّموِّ.
إحدى أهمِّ الجَوانب في عملية التَّخطيط تتعلَّق بضرورةِ اختيار النَّمط التَّخطيطي المُناسب الذي ينسجمُ ويتداخلُ مع طبيعة المُنظَّمة أو المؤسَّسة وتوجُّهاتها لتكوِّن جبلًا يُحدثُ ثُقبًا في سقفَ الطُّموحِ ليتجاوزهُ لما بعده، مُعلنًا عن طُموحاتٍ تتجاوزُ ذلكَ السَّقفَ الاعتيادي. بالإضافة إلى ذلك، يجبُ مُراعاة الظَّروف البيئيَّة والاقتصاديَّة المُحيطة بها. الاختيار فيما بينها، له أثرٌ كبيرٌ على تحقيق الأهداف المنشودة، ونجاحِ تنفيذ الخُطة التي يُشرفُ عليها مُمهِّدُ السُّبلِ والمَسارات في المُنظَّمةِ والمؤسَّسةِ تلك.
تصنَّف الأنماط التَّخطيطيَّة إلى عدَّة فئات، ويتوقَّف اختيارُ الفئة المُلائمة على الاستعداد والقُدرات الحاليَّة للمُنظَّمة أو المؤسَّسة. فمثلًا، النَّمط الدِّفاعي يعتبرُ مُناسبًا في حالةِ وجودِ مخاطرَ مُرتفعة تتطلَّب الحِفاظ على استقرارِ المنظَّمة وتجنُّب المُجازفة. من ناحيةٍ أخرى، يُتيح النَّمط المُهادن الابتعادَ عن الصِّراعات والمَخاطر إلَّا إذا كان ذلك ضروريًّا للإبقاء على وجودِها في سباقِ النُّموِّ مع باقي المُنظَّمات والمؤسَّسات لتتقلَّدَ بذلكَ وسامَ الكِفاحِ والإصرار. بينما يعتمدُ النَّمط الهُجومي على الجُرأة والاستعداد للتَّحدِّيات، ويستخدمُ المواردَ كسِلاحٍ فتَّاكٍ؛ لتحقيق الأهداف.
بالإضافة إلى هذه الأنماط، يجب أن نُلقي الضَّوء على النَّمط المُترقِّب الذي يتميَّزُ بالحَذر وعدم التَّسرُّع في أخذ خُطوةٍ بالنِّسبةِ لحالةِ المُنظَّمة الحاليَّة إلى حالةٍ أخرى. يعتمدُ هذا النَّمط على جمعِ المَعلومات ومُراقبة نتائج الآخرين قبلَ اتِّخاذ أيِّ إجراءات. إذا كانت المَخاطر والتَّحدِّيات تشكِّل جُزءًا كبيرًا من البِيئة المُحيطة بالمُنظَّمة أو المؤسَّسة، فيمكنُ أنْ يكون النَّمط المُترقِّب هو الخيارُ الأمثل للتخطيط.
وهناك أيضًا النَّمط التَّحليلي الذي يعتمدُ على تحليلِ الوَضع الحالي للمُنظَّمة أو المؤسَّسة والبيئة المُحيطة بها بدقَّة، ثمَّ وضعِ خُطط تعتمدُ على نتائجِ هذا التَّحليل الذي قد حِيكت تفاصيلُ نسيجهِ بدافعِ حياكةِ نسيجٍ آخر يعتمدُ على الدِّقَّة والفِكر الاستراتيجي. يعكسُ هذا النَّمط استراتيجيَّة دَقيقة تعتمدُ على البَيانات والمَعلومات الدَّقيقة، وهو مُناسب للمُنظمات أو المؤسَّسات التي ترغبُ في الاستفادة من تحليلٍ يستهدفُ الجُذورَ وبعدها يتحوَّل لصياغةِ خُطَطٍ تستهدفُ حَصادَ الثِّمار؛ لضمان اتِّخاذ القرارات الصَّائبة.
أمَّا نَمط المُوازنة، فيعتمد على استخدامِ مَزيجٍ مُطعَّمٍ بأسلوبيْ الاحتواءِ والهُجوم. يعني ذلك أنَّ المُؤسَّسة تميلُ إلى التَّحرُّك بحذرٍ في بعض الأوقات والتوجُّه للهُجوم في أُخرى. هذا النَّمط يُناسب الحَالات التي تتطلَّب تَوازنًا بين الاستجابةِ الفَوريَّة للتَّحدِّيات والمَخاطر، والحِفاظ على قالبِ الاستقرار في الأوقات الأخرى دونَ تشويه لذلكَ القالب.
بالنَّظر إلى هذه الأنماط المُختلفة، يصبحُ من الوَاضح أنَّ اختيارَ النَّمط التَّخطيطي المُناسب للمؤسَّسة أو المُنظَّمة يعتمدُ على سياساتها واستراتيجيَّاتها الخاصَّة، بالإضافةِ إلى الوَضع الحالي لها ومُتغيِّرات البِيئة المُحيطةِ بها. إنَّ فهم هذه الأنماط وتحليلِ الوَضع بعنايةٍ فائقةِ الدِّقَّة، يمكنُ أن يساعدَ المُنظَّمات على تطويرِ استراتيجيَّات فعَّالة تضمنُ تحقيقَ النَّجاح والنُّموِّ في واقعٍ مَعيش يتغيُّر باستمرار.
على صعيدٍ آخر، هناك العديد من الفَوائد التي تَعود على المُؤسَّسة والأفراد عندما يتمُّ تبنِّي وتَنفيذ عمليَّة التَّخطيط بشكلٍ فعَّال. على سبيل المِثال، تُساعد عمليَّة التَّخطيط في تحديدِ واقعِ المؤسَّسة وتوجُّهاتها المُستقبليَّة. إنَّها توفِّر أيضًا تنسيقًا فعَّالًا للجُهود وتوجيهًا فائقَ الدِّقَّة لاستخدامِ المَوارد بكفاءةٍ وفاعليَّة.
وبفضلِ تحديدِ معاييرِ القِياس وتحديدِ المَسارات الوَاضحة، يمكنُ للمُؤسَّسة أن تتحرَّك بثقةٍ نحو تَحقيق أهدافِها المَنشودة. كما أنَّ التَّخطيط يساعد أفرادَ تلكَ المؤسَّسة على التَّحضير لمُواجهة التَّحدِّيات والمُشكلاتِ المُحتملة، ويحفِّزهم على تَحسين أدائهم وتعزيزِ جودةِ تفاعلِهم مع الأمورِ المُختلفة.
فيما يتعلَّق بمَبادئ التَّخطيط، هناك عدَّة مَبادئ يجبُ أن يتَّبعها الأفرادُ والمُنظَّمات؛ لضمانِ نجاح عمليَّة التَّخطيط. على سبيل المثال، مَبدأ المُرونة، والذي يُشير إلى أهميَّة تَكيُّف الخُطَّة مع التَّغيُّرات المُحتملة في التَّنفيذ، ممَّا يسمحُ بالمُواصلة على نفس الوتيرة وتحقيق الأهداف. كما يجبُ أن تكونَ الخُطة ذاتَ كفاءة من حيثُ استخدامِ الوقتِ والجهدِ والمواردَ بأمانة.
في الجانبِ الآخر، يجبُ أن تشملُ الخُطة على جميعِ الأنشطة والمَجالات بشكلٍ شاملٍ وواضحْ، وأنْ تكون إلزاميَّة لجميعِ الأطرافِ المَعنيَّة. ولا يجبُ أن تبدأ أيُّ عمليَّةٍ داخلَ المؤسَّسة دونَ وجودِ خُطَّة، حيث يجب أن تأتي الخُطَّة أوَّلًا.
بلا شك، عمليَّة التَّخطيط تعدُّ أحدَ أهمِّ الأدواتِ الإداريَّة التي تُساهم في تحقيقِ النَّجاح والاستدامة في عالمنا المَعيش. إنَّها عمليَّة تُساعد المُنظَّمات على تَحقيق أهدافها المَنشودة وتَنظِّمُ جُهودها بكفاءة، وهي أيضًا تعزِّز الأداء والآليَّة التي يتعامل بها الأفراد بداخل المؤسَّسة.