You are currently viewing آليَّات التَّعاطي مع السوق السياسي لتحقيق الأهداف المَرجوَّة

آليَّات التَّعاطي مع السوق السياسي لتحقيق الأهداف المَرجوَّة

استراتيجيَّات التَّعامل مع السُّوق السِّياسي المُستهدف!

تعدُّ استراتيجيَّات التَّعامل مع السُّوق السِّياسي المُستهدف أهم عامل من عوامل نجاح أيَّ حملة تسويقيَّة في الجانب السِّياسي. لم يقف التَّسويق عند تواجدهِ في قطاع السِّلع، بل خطى خطواتٍ جريئةٍ، ليشمل نتيجةً لتلك الخطوات؛ الخدمات في المؤسَّسات الغير ربحيَّة، ليشمل تسويق الأفكار، والأشخاص، والمؤسسات بأنواعها المختلفة، ومن بين هذه المؤسسات هي تلك التي تُسمَّي “بالمؤسسات السِّياسيَّة”. ولذلك بدأت المُحاولات الحثيثة والصَّادقة في ترجمة هذا السَّعي؛ ليظهر على هيئة تطبيقٍ للمفاهيم التَّسويقيَّة الأساسيَّة في مَجال التَّسويق السِّياسي. بالنِّسبة للتَّسويق السِّياسي، فقد تمَّ تعريفه بأنَّه: “التحليل، والتخطيط، والتنفيذ، والتَّحكُّم في البرامج السِّياسيَّة، والانتخابيَّة التي تضمن بناء العلاقات ذات المنفعة المُتبادلة بين كيان سياسي ما، أو مرشَّح ما، والناخبين، والحفاظ على هذه العلاقة من أجل تحقيق أهداف المُسوِّق السِّياسي”.

وردت في أبحر الفِكر التَّسويقي عدَّة تعريفات لما يعرف بالسُّوق، من بينها، ما قامت بحياكته وجهة النَّظر التَّقليديَّة بأنَّهُ “المَنطقة الجغرافيَّة التي تجمع المشترين والبائعين”. أمَّا في الجانب الآخر، فإنَّ الاقتصاديُّون يعرِّفونه بأنَّهُ “العلاقة بين العرض والطَّلب لسلعةٍ ما”، وفقًا لكوتلر، يتكوَّن السُّوق من مجموعة من الأفراد أو المُنظَّمات الذينَ يشترون منتجًا أو يقومون بتبادله بناءً على قيمة مُتبادلة. تتأثَّر هذه العلاقات بالعوامل المحيطة، مثل العرض والطلب، والأسعار، والمنافسة، والتسويق، والتكنولوجيا، والعوامل الاجتماعيَّة والثقافيَّة الأخرى. أمَّا في الجانب الآخر، برايد وفريل يعرِّفان السُّوق بأنَّه هو الذي يجمع بين شركات وأشخاص هم بحاجة لسلعةٍ ما، ولديهم (أو لديها) المَقدرة، والرغبة، والسُّلطة لشراء تلك السِّلعة.

فقد تجلَّى ذلك في التَّحوُّل الذي شهدته الساحة السِّياسيَّة من نقطة معرفته على إنَّه هو علم السُّلطة إلى كونه العلاقة السِّياسيَّة التي يعيشُ في كنفِها المجتمع السِّياسي، وتتحكَّمُ به، عن طريق المُحافظة على ما يسمَّى بالتَّماسك الاجتماعي. كان ظُهور التَّسويق السِّياسي نتيجةً حتميَّة للتَّطوُّر الحاصل في وسائل الإعلام مع وجود نظام ديمقراطي قائم في الأساس على الاقتراع. ويمكننا القول بأنَّ العَمل بالتَّسويق السياسي مبرِّره هو ما حصلَ من تطوُّر في وسائل الإعلام وبخاصَّة التِّلفاز الذي كان له الأثر الأكبر في بروز شخصيَّات سياسيَّة. ولقد كان لانتصار نيكسون عام ١٩٦٨ م، بمساعدة خبراء من أحد مراكز العلاقات العامَّة هو عمليَّة البداية للتأثير الحقيقي للتَّسويق في الانتخابات الرِّئاسيَّة بالولايات المُتَّحدة الأمريكيَّة.

يُعرف السُّوق السياسي، بأنَّه هو عبارة عن الساحة السِّياسيَّة التي يتمُّ من خلالها مزاولة الأنشطة السِّياسيَّة والتأثير على الجمهور؛ لبيع ما يريدونه من أفكار، ومبادئ، وبرامج سياسيَّة، (أو بيع رجل كمرشَّح لحزب ما.. إلخ) في انتخابات معيَّنة. ،لذلك فإنَّ هناك العديد من الاستراتيجيَّات التي تمكِّننا من التَّعامل مع الأسواق السِّياسيَّة المُستهدفة، ومن بينها؛ استراتيجية السُّوق المُجمع، استراتيجيَّة التَّركيز على قطاع واحد، استراتيجيَّة القطاعات المتعدِّدة.

أوَّل الاستراتيجيَّات، استراتيجيَّة السُّوق المجمع؛ وتعتمد هذه الاستراتيجيَّة على تعامل المُسوِّق مع السُّوق الكُلِّي ككتلة واحدة، حيث يتمُّ تقديم منتج واحد يلبِّي احتياجات السُّوق، وتحقيق المَنافع المُتشابهة في مختلف قطاعات السُّوق. يتمُّ التَّعامل مع السُّوق المجمع بمزيج تسويقي واحد (منتج، سعر، توزيع، ترويج) يتضمَّن منتجًا واحدًا، وبناء سعري واحد، ونظام توزيع واحد، واستخدام مزيج ترويجي واحد. تحقِّق هذه الاستراتيجيَّة تخفيضًا في التَّكاليف، وزيادة في كفاءة الإنتاج، والتوزيع. والتَّرويج، وتقليل التَّنوُّع في المُنتجات، وتحسين كفاءة تجارة الجملة، وتكاليف الترويج. يمكن أن يرافق استراتيجية السوق المجمع باستراتيجية تمييز المنتج؛ لتقليل المنافسة السعرية وإيجاد إدراك لدى العملاء بأن المنتج أفضل من المنافسين. ويمكننا اختزال ذلك في أن يكون هناك تحديد لسوق سياسي مستهدف، ومن ثم تتحدَّد المنافع المرغوبة، وتقديم رؤية واحدة، استراتيجية تسويقيَّة واحدة، وختامًا بالحفاظ على التوجُّه السياسي الموحَّد.

استخدام استراتيجيَّة السُّوق المجمع في السُّوق السِّياسي يمكن أن يكون له عدَّة أهداف من بينها؛ توحيد الرؤى، والأهداف، وتقليل الاختلافات، وتعزيز التَّواصل والتفاعل الإيجابي مع النَّاخبين، ممَّا يؤدِّي ذلك إلى بناء قاعدة قويَّة تكون السَّبب الرَّئيسي في الفوز في الانتخابات أو تحقيق الأهداف السِّياسيَّة المُستهدفة.

ثاني الاستراتيجيَّات في التّعامل مع السُّوق السِّياسي المُستهدف؛ استراتيجية التركيز على قطاع واحد، وتعتمد هذه الاستراتيجيَّة على تحديد السُّوق المُستهدف للمنظَّمة بقطاع واحد، مما يسمح لها بالتركيز على اختراق هذا القطاع بشكلٍ عميق، وبناء شهرتها فيه. تناسب هذه الاستراتيجيَّة المُنظَّمات ذات الموارد المحدودة، وتساعدها على تجنُّب المُنافسة مع الكبار في السُّوق. مثال على ذلك هو دخول شركة فولكس واجن إلى سوق السِّيَّارات الصَّغيرة، ومُنخفضة التَّكلفة في الولايات المُتَّحدة. توفِّر هذه الاستراتيجيَّة فرصة للشَّركة؛ لاختراق السُّوق، وبناء سمعتها في هذا القطاع المحدَّد.

استراتيجيَّة التَّركيز على قطاع واحد في السُّوق السِّياسي تعني؛ تحديد مجال سياسي واحد فقط للتَّركيز عليه بدلًا من التَّركيز على مجموعة واسعة من المجالات والقضايا. يتمُّ ذلك عن طريق التَّركيز على قضيَّة سياسيَّة محدَّدة، والعمل على فهمها الفهم الأمثل، والبحث عن حُلول فعَّالة لها. تساعد هذه الاستراتيجيَّة على تحقيق تأثير إيجابي في القِطاع المحدَّد، واستخدام الموارد بشكلٍ أفضل. وأيضًا تُسهم في جذب الاهتمام، والدَّعم من الآخرين الذين يشاركون نفس الاهتمام بالقضيَّة التي تمَّ اختيارها.

ثالث الاستراتيجيَّات في التَّعامل مع السُّوق السِّياسي المُستهدف، هي استراتيجيَّة القطاعات المتعدِّدة تتضمَّن استهداف قطاعين أو أكثر من قطاعات السُّوق. يهدف ذلك الاستهداف إلى زيادة حجم المَبيعات أو التَّعامل مع الطَّلب المَوسمي على المُنتج عن طريق إضافة قطاع سوق آخر. تتطلَّب هذه الاستراتيجيَّة تطوير مزيج تسويقي مختلف لكلِّ قطاع، بمُنتجات، وأسعار، وقنوات توزيع، وأدوات ترويج متنوِّعة. يمكن لهذه الاستراتيجيَّة أن تحقِّق مبيعات أكبر من استراتيجيَّة التركيز على قطاع واحد، وتساعد في توسيع نطاق الاستهلاك، واستيعاب الطَّاقة السُّوقيَّة الزَّائدة. ومع ذلك، تترتَّب عليها تكاليف إنتاج، وتسويق أعلى؛ نظرًا للتنوُّع في المُنتجات، والإعلانات، والتَّوزيع. علاوةً على ذلك، تزيد تكلفة إدارة التَّسويق بسبب تخطيط برامج تسويقيَّة مُتنوِّعة للقطاعات المُختلفة من السُّوق.

في السُّوق السِّياسي، يُمكن أن نرى تَجلِّي استراتيجيَّة القطاعات المتعدِّدة في استهداف قطاعات سياسيَّة مُتنوِّعة، وتطوير مزيج تسويقي مختلف لكلِّ قطاع. تهدف هذه الاستراتيجيَّة إلى جذب شرائح مُختلفة من النَّاخبين، والتَّأثير على سياسات عديدة. يتطلَّب ذلك تكاليف إضافيَّة للتَّسويق، والإدارة، بما في ذلك إنشاء فرق تسويق مُختلفة، وتنفيذ حملات إعلانيَّة متعدِّدة. على الرغم من التحدِّيات الناتجة عن ارتفاع التَّكلفة، والإدارة، فإنَّ استراتيجيَّة القِطاعات المتعدِّدة تُتيح للمرشَّحين، والأحزاب السِّياسيِّة تحقيق مبيعات أكبر (الحُصول على تأييد ودعم أكبر من قِبَل النَّاخبين والمُواطنين؛ للمُرشَّحين والأحزاب السِّياسيَّة)، وتأثير أوسع في السُّوق السِّياسي.

لقد ساهمت التَّطوُّرات في السَّاحة السِّياسيَّة؛ لظهور العديد من الاستراتيجيَّات التي تُعنى بالتَّعامل مع الأسواق السِّياسيَّة المُستهدفة. وباختلاف خصائص كلَّ استراتيجيَّة؛ فإنَّ على المُسوِّق المفاضلة بينهم؛ لتحقيق الهدف المَوضوع.